تسبب التحول نحو التعليم عبر الإنترنت، الذي فرضته عمليات إغلاق كوفيد-19 على الجامعات والمدارس، إلى خلق مجموعة جديدة من التحديات للتعليم المهني في المنطقة العربية. إذ يساهم النقص في الوصول إلى الأجهزة الرقمية، وضعف الاتصال بالإنترنت والفجوة الرقمية المتّسعة في تخلف بعض الطلاب عن الركب.
تعتمد العديد من التخصصات الفنية والمهنية على العروض التوضيحية العملية التي يصعب ترجمتها إلى بيئة رقمية، وتجذب البرامج في العادة الطلاب من خلفيات منخفضة الدخل ممّن تقل احتمالية وصولهم إلى الأجهزة الرقمية.
مع ارتفاع عدد حالات كوفيد-19 وعدم قدرة العديد من الطلاب على الالتحاق بفصول دراسية تقليدية، يتزايد القلق من أن هؤلاء الشباب، الذين يعيش الكثير منهم بالفعل في بيئات صعبة، سيعانون من تأثير دائم على تعليمهم.
قالت سونيا بن جعفر، الرئيسة التنفيذية لمؤسسة عبد الله الغرير للتعليم، التي تقدم منحًا دراسية وتدريبًا على المهارات للطلاب المحرومين في الإمارات العربية المتحدة ولبنان والأردن، “هناك حاجة كبيرة لبناء المهارات الرقمية بين الفئات الأكثر ضعفًا.”
وأضافت”ما كشفته أزمة كوفيد يتمثل في زيادة الفجوة الرقمية بين الجنسين (والتي) تؤثر سلبًا على الفجوات بين الجنسين في التعليم والعنف وزيادة مخاطر تسرب الإناث من الدراسة. ونتيجة ذلك تخلف الفتيات عن الركب بسبب ما تمليه الأعراف الثقافية في حصر التعلم الإلكتروني في نطاق الذكور.” (اقرأ المقال ذو الصلة: في اليوم العالمي للاجئين: التعليم أولوية لا يمكن إهمالها)
استجابة لذلك، مكّنت مؤسسة عبد الله الغرير الجهات المستفيدة من إعادة تخصيص الأموال وشراء أجهزة الكمبيوتر المحمولة وحزم البيانات للطلاب لمواصلة تعليمهم خلال الوباء.
قالت دانا الدجاني، , مديرة شراكات العطاء بالمؤسسة، “علمنا واقع كوفيد-19 الجديد إعادة التأكيد على أهمية أن تكون مانحًا مرنًا … وتزويد المستفيدين من المنح بفرصة الإبداع في استكشاف الحلول“
عدم الثقة في التعلم عبر الإنترنت
لكن هذا لم يكن سهلاً؛ فعلى الرغم من الجهود الأخيرة لإنشاء فصول دراسية افتراضية فعالة استجابة لجائحة كوفيد-19، لا يزال التعلم الإلكتروني بعيدًا عن السائد في العديد من المدارس في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وجدت دراسة استقصائية شملت 1,000 طالب جامعي عربي أجرتها مؤسسة عبد الله الغرير بين تشرين الأول/ أكتوبر 2018 وكانون الثاني/ يناير 2019 أنه بينما كان العديد من الطلاب على استعداد لاستكمال دراساتهم بدورات عبر الإنترنت، “لا يزال لدى الشباب العربي مفاهيم خاطئة حول التعلم عبر الإنترنت، والتي يبدو أنها تحصر انفتاحهم في السعي للحصول على درجات تقليدية.”
يبدو هذا التردد قويًا بين طلاب المدارس المهنية والتقنية على وجه الخصوص.
في السودان، يعتقد حمدان محمد، الطالب في قسم هندسة الاتصالات في كلية الجزيرة التقنية بالخرطوم، أن طريقة التدريس عبر الإنترنت قد خذلت الفئات الأكثر ضعفًا في مجتمعه. قال “لن نستفيد. الإنترنت ضعيف في السودان وليس للطلاب الوسائل لتحملها.” والأسوأ من ذلك، تم فرض رسوم إضافية على الدورات التدريبية عبر الإنترنت. قال “قررتُ التوقف عن الدراسة هذا العام لأنني بحاجة إلى كسب المال.”
على صعيدٍ آخر، يكافح آخرون للمشاركة في الدروس الإلكترونية. ففي مصر، يحاول أحمد سعيد، البالغ من العمر 19 عامًا، المواظبة في سنته الأولى في مساق الميكاترونيك في جامعة بني سويف للتكنولوجيا من منزله في الإسكندرية، لكنه يقول إن التدريس عبر الإنترنت ليس بديلاً عن التدريب داخل الفصل. قال “أنا خريج مدرسة ثانوية تقنية ولا أحب الدراسة النظرية. لا أشعر أنني استوعبت الدروس جيدًا … لكن لم يكن لدينا خيارٌ آخر.”
حتى الطلاب الذين ينجحون في إكمال برنامج عبر الإنترنت قد يواجهون الإحباط عندما يبدأون وظائف جديدة من المنزل.
بعد أسبوعين من توليه منصبه الجديد كمهندس برمجيات في إحدى شركات خدمات تكنولوجيا المعلومات في الأردن، أصبح أسامة موسى على دراية بمتطلبات وظيفته، لكنه يفتقد ضجيج المكتب. قال الشاب البالغ من العمر 25 عامًا، “أحب أن أكون في بيئة يمكنني فيها الاختلاط بالأصدقاء والاستمتاع بعملي. أفضل إثبات نفسي في المكتب، لكنهم أخبرونا أنه للبقاء آمنين علينا العمل من المنزل
لكن موسى في وضع أفضل من غيره. عندما ضربت جائحة فيروس كورونا الأردن، مما أسفر عن فرض واحدة من أكثر عمليات الإغلاق صرامة في العالم في منتصف شهر آذار/ مارس، كان الشاب بالفعل في منتصف مساره الدراسي في قسم عبد العزيز الغرير للحوسبة المتقدمة، وهي جزء من كلية لومينوس الجامعية التقنية في عمان. اعتمدت الكلية الفصول الافتراضية، حيث قدمت 170 جهاز كمبيوتر محمولًا للطلاب حتى يتمكنوا من متابعة دراستهم عبر الإنترنت. قال، “كان الأمر صعبًا في البداية ولكن بعد ذلك تعلمنا كيفية التواصل وطرح الأسئلة افتراضيًا.”
الوصول للمزيدٍ من الطلاب
حتى المؤسسات التي كانت تدير نموذج التعلم المدمج قبل الوباء وجدت التحول المفاجئ عبر الإنترنت معطِلاً. تتذكر زينة صعب، المؤسسة المشاركة لـ SE Factory، التي تدير معسكرات تدريب على الترميز للاجئين والشباب المحرومين في لبنان، محادثة مع زملائها في أوائل آذار/ مارس، عندما بدأ عبء كوفيد-19 المتزايد في إحداث تأثير عميق على الحياة اليومية.
قالت “كنا قلقين حقًا. … احتاج الكثير من هؤلاء الطلاب إلى التواجد في الفصل بصورة شخصية. كان السؤال يتعلق بكيفية جعل هذه التجربة صالحة حقًا والحفاظ على جودة الدورة، حتى لو تم تقديمها عبر الإنترنت.”
في البداية، ارتفع معدل التسرب بسبب انقطاع التيار الكهربائي وضعف الاتصال بالإنترنت مما أدى إلى انقطاع الفصول الدراسية وكافح المعلمون للحفاظ على مشاركة الطلاب أثناء تسجيلهم الدخول من منازل كانت مزدحمة وصاخبة في الغالبز
تقول صعب إنها كانت فترة مرهقة، لكن خلال الأشهر القليلة الماضية، أصبح من الواضح أن للتعلم عبر الإنترنت بعض الفوائد أيضًا، مثل السماح للمؤسسة بالوصول إلى المزيد من الطلاب في المناطق النائية وتقليل تكاليف الإيجار والنقل ووجبات الطعام. كما ساعدت الأدوات التفاعلية عبر الإنترنت مثل Miro، وهو برنامج تعاون مرئي يسهل جلسات العصف الذهني وورش العمل، في الحفاظ على تفاعل الطلاب، بينما عززت دروس اللغة الإنجليزية قدرتهم على التنقل في الفضاء الرقمي.
كما أنه ساعد في تغيير المواقف تجاه التعليم عبر الإنترنت. قالت صعب “لقد تم التحقق من صحة التعلم عن بعد، وحتى العمل عن بعد. لم تكن هذه ثقافة مقبولة من قبل الناس علنًا حتى قبل انتشار كوفيد في لبنان.” في المستقبل، تشعر أن نموذج التعلم المدمج سيكون الأفضل. قالت، “التعليم الإلكتروني لوحده لن ينجح. حتى مع انتشار الوباء، فإن الناس غير مستعدين بعد للاتصال بالإنترنت بشكل كامل. يجب أن يتم دمج الأمرين معًا.”
سونيا بن جعفر, الرئيسة التنفيذية لمؤسسة عبد الله الغرير للتعليم “أجبرت أزمة كوفيد الناس على الإسراع في استخدام الإنترنت. لم تكن المقاومة خيارًا.”
لكن الوباء زرع بذور حقبة جديدة من التعليم في المنطقة، مما أدى إلى تسريع الاستيعاب الرقمي الذي طال انتظاره. قالت بن جعفر، من مؤسسة الغرير، “أجبرت أزمة كوفيد الناس على الإسراع في استخدام الإنترنت. لم تكن المقاومة خيارًا.”
“التكنولوجيا: الواقع الجديد”
يأتي هذا التحول في وقت تتزايد فيه الضغوط على وزارات التعليم العربية لتحديث نماذج التعلم القديمة وتحديث المناهج مع تطور أسواق العمل وتغير متطلبات الوظائف. وفقًا لتقرير نشرته مؤسسة الغرير، من المرجح أن تصبح 47 في المئة من أنشطة العمل في أكبر اقتصادات المنطقة مؤتمتة في السنوات القادمة، مما يتطلب مجموعات مهارات جديدة من شأنها تغيير طريقة عمل الناس.
أفاد التقرير، الذي يحمل عنوان “التعلم عبر الإنترنت في العالم العربي: نموذج تعليمي بحاجة إلى الدعم“، “إذا لم تتم معالجة الأمر، فقد يتفاقم عدم استعداد الشباب العربي لسوق العمل على المدى المتوسط أو الطويل.”
يواجه التعليم المهني – الذي يعدّ في العادة الطلاب العرب لوظائف منخفضة الأجر مثل النجارة والبناء والحياكة وأعمال الصالون – هذه المخاطر، ويحد من الفرص المتاحة للشباب ويفشل في تلبية متطلبات السوق من خلال إخراج مئات الخريجين لوظائف مشغولة بالفعل.
قالت بن جعفر، “نحتاج إلى التأكد من أن جميع دورات التعليم والتدريب التقني والمهني (TVET) تتماشى مع متطلبات واحتياجات السوق، وضمان مشاركة القطاع الخاص منذ البداية.” وتضيف أنه بخلاف ذلك، تكون النتيجة عدم التوافق نفسه في المهارات بين العديد من معاهد التعليم العالي والقوى العاملة.
يبدو أن المستقبل على الإنترنت بالتأكيد. قالت “التكنولوجيا هي الواقع الجديد. لا يمكنك الحصول على وظيفة وتحسين سبل العيش إذا لم يكن لديك محو أمية رقمية على الأقل.”
يوجد حاليًا طلب كبير على المبرمجين في الإمارات، حيث يؤدي التركيز على التعلم النظري أكثر من التعلم العملي على المستوى الجامعي إلى ترك العديد من الخريجين غير مهيئين لقطاع الوظائف. وهذا يخلق فجوة تأمل مؤسسات مثل لومينوس، وهي إحدى الجهات المستفيدة من منح مؤسسة الغرير، في سدها.
قالت الدجاني “نشهد هذا الأمر مع الطلاب المتخرجين من دورات البرمجة وتطوير البرمجيات، الذين يحصلون على وظائف لم يكونوا قادرين على الوصول إليها سابقًا، وهم يحصلون عليها بسرعة كبيرة، حتى في ظل ظروف الوباء.”
الاستعداد لسوق العمل
منذ إعادة توجيه الأموال خلال الوباء، تمكن 150 طالبًا من أخذ دورات عبر الإنترنت في كلية عبد العزيز الغرير للحوسبة المتقدمة، في كلية لومينوس التقنية الجامعية، وتخرج 22 طالبًا حتى الآن. من بين هؤلاء، حصل 14 منهم على وظائف بدوام كامل في شركات مثل أمازون وبنك الاتحاد وبيت، وهي منصة رئيسية للوظائف في الشرق الأوسط، مع رواتب تبدأ من 1,000 دولار شهريًا، أي ما يقرب من أربعة إلى ستة أضعاف متوسط الأجر في الأردن.
قبل شهر من إنهاء دراستها في كلية الحوسبة المتقدمة، كانت هداية صيام، 22 عامًا، قد حصلت بالفعل على وظيفة للقيام بعمل الترميز عن بعد لشركة في كندا. بعد تخرجها من جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية في وقت سابق من هذا العام، كانت قلقة بشأن آفاقها المستقبلية. قالت، “كانت لدي الكثير من المخاوف بشأن كيفية تمكّني من الحصول على وظيفة بعد الجامعة لأن جميع الجامعات في الأردن تركز على النظرية بدلاً من الدراسات العملية ولم أكن مستعدة للحصول على أي شيء في سوق العمل.”
تقول صيام، وهي فلسطينية تعيش في مخيم جرش للاجئين شمال الأردن، إن الكثير من الشباب مثلها يكافحون للعثور على وظيفة، على الرغم من حصولهم على شهادات في قطاعات ذات الصلة. ولكن منذ أن شاركت في الدورة، أتقنت بعض المهارات الشخصية اللازمة لمكان العمل. قالت “بعد أن بدأت مع كلية عبد العزيز الغرير للحوسبة المتقدمة ASAC شعرت بأنني في وضع جيّد، وأن بإمكاني الذهاب إلى سوق العمل بثقة.”
في البلدان الأكثر ثراءًا، أيضًا، تُبذل الجهود لتعزيز القطاع المهني وتزويد الطلاب بالمهارات العملية لعالم الوظائف المتغير. تقول حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة إن الدولة بحاجة لتخريج 10 إماراتيين من ذوي المهارات المهنية لكل خريج جامعي من أجل تحقيق هدفها المتمثل في خلق اقتصاد معرفي مستدام ومتنوع. مع التركيز على التقنيات والمواد والأنظمة الجديدة والناشئة، أصبح من الأولويات الوطنية الآن ضمان تزويد المواطنين الإماراتيين بالمهارات اللازمة لدفع اقتصاد المستقبل، بما يتجاوز النفط.