أخبارنا

لماذا يجب أن يحتل تعليم اللاجئين الأولوية في ظل جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)؟

معالي عبد العزيز الغرير 11 مايو 2020

جاء اكتمال القمر في الأسبوع الماضي ليذكّرنا بأن أياماً قليلة تفصلنا عن منتصف شهر رمضان الكريم، وهو الشهر الفضيل الذي تجتمع فيه العائلة والأصدقاء حول مائدة الإفطار بعد الصيام. لكنّ رمضان هذا العام لم يعد ككل عام، فقد حلّ علينا في ظل جائحة تتخطى كونها أزمة صحية عامة، لتصبح أزمة تلقي بثقلها وأوزارها على كل قطاع، بما في ذلك قطاع التعليم. يقدر عدد اللاجئين في منطقة الشرق الأوسط بحوالي 10 ملايين لاجئ، يعيش معظمهم تحت خط الفقر، وتكاد لا تتوفر لهم المرافق الصحية الأساسية والرعاية الصحية والتعليم. وتجد العائلات اللاجئة نفسها مجبرة على التخلي عن آمالها بتأمين التعليم لأطفالها والتركيز على سبل للبحث عن لقمة العيش حتى انقضاء هذه الأزمة بأمان. وفي ظل هذه الأجواء الرمضانية التي تقوم على عمل الخير حتى في أصعب الأوقات، لا يسعنا سوى أن نحمد الله على النعم التي أغدق علينا بها لكي نتمكّن من مساعدة هذه العائلات. 

في الواقع، يشكّل الأطفال حوالي نصف أعداد اللاجئين ويحلمون بارتياد المدرسة وبتوفير فرص لهم للحصول على التعليم، لكن وللأسف، في بعض دول منطقة الشرق الأوسط، يتخرّج أقل من 5% من اللاجئين من المرحلة الثانوية. هذه كانت الحقيقة المرّة قبل أن يستفحل فيروس كورونا المستجد ويشتد أزره في المنطقة، وفي حال غياب الاهتمام الجدي بهذا الموضوع، ستقضي هذه الجائحة على بصيص الأمل الذي كان قد بدأ يضيء عتمة هذه الحقبة ومعه على النية الحسنة التي برزت في الأشخاص الذين تفانوا في سبيل توفير التعليم ذي الجودة العالية لهم جميعاً. 

ومنذ إطلاق صندوق عبد العزيز الغرير لتعليم اللاجئين عام 2018، استطاع الصندوق تقديم الدعم لأكثر من 17,500 شاب في كل من الأردن ولبنان ودولة الإمارات العربية المتحدة، ليتمكّنوا من الوصول إلى مرحلة الدراسة الثانوية وما بعدها والتخرّج منهما بنجاح، لكنّ الجائحة دفعت بفرص التعليم إلى الفضاء الافتراضي، لدرجة أن التعليم صار اليوم بعيداً للغاية عن متناول أكثر اللاجئين تهميشاً في هذه الأزمة. وبالنسبة للشركاء والمستفيدين من صندوق عبد العزيز الغرير لتعليم اللاجئين، تشكّل الحواجز العملية واللوجستية أصعب التحديات التي يتعين على اللاجئين تجاوزها، ففقدان المدخول العائلي، وتراجع المساعدات الخيرية، والافتقار إلى الأجهزة الإلكترونية والانترنت، وغياب الدعم المحلي من أجل الدراسة هي عوامل تتراكم لتبدّد الأمل والالتزام اللذين يتشبّث بهما اللاجئون الشباب عندما يحلمون بالحصول على فرص التعليم على الرغم من أوضاعهم.  

ولقد أوضحت معظم المنظمات الدولية أن الحد من انتشار فيروس كورونا وتوفير الحماية اللازمة والخدمات الصحية للاجئين تحتل اليوم أعلى قائمة أولوياتها. وفيما يصارع اللاجئون لتخطي هذه الجائحة، تقع على عاتق المجتمع الدولي مسؤولية تأمين الموارد اللازمة المخصّصة لتوفير فرص التعليم للاجئين الشباب. وفي هذا الإطار، أصدرت الوكالات التابعة لمنظمة الأمم المتحدة نداء طارئاً تطلب فيه الحصول على المزيد من التمويل لكي تتصدّى للتأثير السلبي الذي تخلّفه أزمة فيروس كورونا المستجد، على أن يعود جزء منه لإنعاش قطاع التعليم، فيما يتولّى مانحون آخرون عملية التنسيق من أجل المساهمة بشكل فعّال على صعيد المساعدة والخبرة المالية. غير أن الأزمة الحالية في قطاع التعليم، التي تشكّل عبئاً إضافياً على أزمة اللاجئين الطويلة الأمد، تحتاج إلى المزيد من الاهتمام والموارد وبأقصى سرعة وإلا فلن نتمكّن من جني الثمار القليلة لما حصدناه على مر الأعوام القليلة الماضية.  

أما صندوق عبد العزيز الغرير لتعليم اللاجئين فيعمل من جهته على التعاون عن كثب مع مانحيه وتوظيف أمواله لأهداف إضافية بالإضافة إلى معالجة الاحتياجات الملحة بطريقة مبتكرة حرصاً على عدم إضاعة الفرص التعليمية. وبما أن الأبحاث التي أجريناها كشفت عن أن هذه الخطوة وحدها ليست كافية، فقد تقرر تأسيس صندوق عبد العزيز الغرير لتعلم اللاجئين عن بعد في ظل فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) الشهر الماضي من أجل تقديم الدعم لمزيد من الأطفال والشباب عبر تزويدهم بالتكنولوجيا اللازمة والمنصات والإرشاد لمتابعة تعليمهم عن بعد أو التلفزيون بشكل ناجح. ومن شأن هذا الصندوق جذب عدد أكبر من المشاركات من المزيد من الشركاء بهدف مساعدة 6,000 طفل آخرين على الأقل في هذه الأوضاع الموجعة التي نعيشها.  

لجأت العديد من المنظمات إلى التعلم عن بعد في ظل هذه الجائحة في محاولة منها لمواصلة التعليم، ونجد أنفسنا اليوم أمام إغلاقات للمدارس على مستوى العالم. ولا بد لنا من الاعتراف بأن الشباب من اللاجئين والمجتمعات المضيفة بحاجة إلى أكثر من مجرد استجابة لحالة الطوارئ، إنهم بحاجة إلى مجهود جماعي يلتزم بتعليم اللاجئين ويسعى لإيجاد الحلول المبتكرة التي تناسب البيئة المحلية من أجل حماية معيشة ملايين الشباب في منطقة الشرق الأوسط.